إحتجاج زينب بنت عليّ بن أبي طالب(ع)
... فَقَامَتْ «زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ
أُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»
وَ قَالَتْ:
الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
وَ صَلَّى اللهُ عَلَى جَدِّي سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ
صَدَقَ اللهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ يَقُولُ:
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى
أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ
وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ
أَ ظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ
حِينَ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ
وَ ضَيَّقْتَ عَلَيْنَا آفَاقَ السَّمَاءِ
فَأَصْبَحْنَا لَكَ فِي إِسَارٍ
نُسَاقُ إِلَيْكَ سَوْقاً فِي قِطَارٍ
وَ أَنْتَ عَلَيْنَا ذُو اقْتِدَارٍ
أَنَّ بِنَا مِنَ اللهِ هَوَاناً
وَ عَلَيْكَ مِنْهُ كَرَامَةً وَ امْتِنَاناً
وَ أَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ وَ جَلَالَةِ قَدْرِكَ
فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ
وَ نَظَرْتَ فِي عِطْفٍ تَضْرِبُ أَصْدَرَيْكَ فَرِحاً
وَ تَنْفُضُ مِدْرَوَيْكَ مَرِحاً
حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً
وَ الْأُمُورَ لَدَيْكَ مُتَّسِقَةً
وَ حِينَ صَفِيَ لَكَ مُلْكُنَا
وَ خَلَصَ لَكَ سُلْطَانُنَا
فَمَهْلًا مَهْلًا
لَا تَطِشْ جَهْلًا
أَ نَسِيتَ قَوْلَ اللهِ:
وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ
إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً
وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ
أَ مِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ
تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَ سَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا
قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ
وَ أَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ
يَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ
وَ يَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاقِلِ
وَ يَبْرُزْنَ لِأَهْلِ الْمَنَاهِلِ
وَ يَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَ الْبَعِيدُ وَ الْغَائِبُ وَ الشَّهِيدُ وَ الشَّرِيفُ وَ الْوَضِيعُ وَ الدَّنِيُّ وَ الرَّفِيعُ
لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ
وَ لَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيمٌ
عُتُوّاً مِنْكَ عَلَى اللهِ
وَ جُحُوداً لِرَسُولِ اللهِ
وَ دَفْعاً لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ
وَ لَا غَرْوَ مِنْكَ
وَ لَا عَجَبَ مِنْ فِعْلِكَ
وَ أَنَّى يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الشُّهَدَاءِ
وَ نَبَتَ لَحْمُهُ بِدِمَاءِ السُّعَدَاءِ
وَ نَصَبَ الْحَرْبَ لِسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ
وَ جَمَعَ الْأَحْزَابَ
وَ شَهَرَ الْحِرَابَ
وَ هَزَّ السُّيُوفَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ (ص)
أَشَدُّ الْعَرَبِ لِلهِ جُحُوداً
وَ أَنْكَرُهُمْ لَهُ رَسُولًا
وَ أَظْهَرُهُمْ لَهُ عُدْوَاناً
وَ أَعْتَاهُمْ عَلَى الرَّبِّ كُفْراً وَ طُغْيَاناً
أَلَا إِنَّهَا نَتِيجَةُ خِلَالِ الْكُفْرِ
وَ ضَبٌّ يُجَرْجِرُ فِي الصَّدْرِ لِقَتْلَى يَوْمِ بَدْرٍ
فَلَا يَسْتَبْطِئُ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ
مَنْ كَانَ نَظَرُهُ إِلَيْنَا شَنَفاً وَ شَنْآناً وَ أَحَناً وَ ضَغَناً
يُظْهِرُ كُفْرَهُ بِرَسُولِهِ
وَ يُفْصِحُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ
وَ هُوَ يَقُولُ فَرِحاً بِقَتْلِ وُلْدِهِ
وَ سَبْيِ ذُرِّيَّتِهِ
غَيْرَ مُتَحَوِّبٍ
وَ لَا مُسْتَعْظِمٍ
لَأَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً
وَ لَقَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلَ
مُنْتَحِياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللهِ وَ كَانَ مُقَبَّلَ رَسُولِ اللهِ (ص) يَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِهِ قَدِ الْتَمَعَ السُّرُورُ بِوَجْهِهِ لَعَمْرِي لَقَدْ نَكَأْتَ الْقُرْحَةَ وَ اسْتَأْصَلْتَ الشَّافَةَ بِإِرَاقَتِكَ دَمَ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ ابْنِ يَعْسُوبِ الْعَرَبِ وَ شَمْسِ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ هَتَفْتَ بِأَشْيَاخِكَ وَ تَقَرَّبْتَ بِدَمِهِ إِلَى الْكَفَرَةِ مِنْ أَسْلَافِكِ
ثُمَّ صَرَخْتَ بِنِدَائِكَ
وَ لَعَمْرِي
قَدْ نَادَيْتَهُمْ لَوْ شَهِدُوكَ
وَ وَشِيكاً تَشْهَدُهُمْ وَ يَشْهَدُوكَ
وَ لَتَوَدُّ يَمِينُكَ كَمَا زَعَمْتَ شُلَّتْ بِكَ عَنْ مِرْفَقِهَا
وَ أَحْبَبْتَ أُمَّكَ لَمْ تَحْمِلْكَ
وَ أَبَاكَ لَمْ يَلِدْكَ
حِينَ تَصِيرُ إِلَى سَخَطِ اللهِ وَ مُخَاصِمُكَ وَ مُخَاصِمُ أَبِيكَ رَسُولُ اللهِ (ص)
اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا
وَ انْتَقِمْ مِنْ ظَالِمِنَا
وَ أَحْلِلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا
وَ نَقَصَ ذِمَامَنَا
وَ قَتَلَ حُمَاتَنَا
وَ هَتَكَ عَنَّا سُدُولَنَا
وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ
وَ مَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ
وَ مَا جَزَزْتَ إِلَّا لَحْمَكَ
وَ سَتَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ
بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ
وَ انْتَهَكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ
وَ سَفَكْتَ مِنْ دِمَاءِ عِتْرَتِهِ وَ لُحْمَتِهِ
حَيْثُ يَجْمَعُ بِهِ شَمْلَهُمْ
وَ يَلُمُّ بِهِ شَعَثَهُمْ
وَ يَنْتَقِمُ مِنْ ظَالِمِهِمْ
وَ يَأْخُذُ لَهُمْ بِحَقِّهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ
وَ لَا يَسْتَفِزَّنَّكَ الْفَرَحُ بِقَتْلِهِ
وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً
بَلْ أَحْياءٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَ حَسْبُكَ بِاللهِ وَلِيّاً وَ حَاكِماً
وَ بِرَسُولِ اللهِ خَصِيماً
وَ بِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً
وَ سَيَعْلَمُ مَنْ بَوَّأَكَ وَ مَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ
أَنْ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا
وَ أَنَّكُمْ شَرٌّ مَكاناً
وَ أَضَلُّ سَبِيلًا
وَ مَا اسْتِصْغَارِي قَدْرَكَ
وَ لَا اسْتِعْظَامِي تَقْرِيعَكَ
تَوَهُّماً لِانْتِجَاعِ الْخِطَابِ فِيكَ
بَعْدَ أَنْ تَرَكْتَ عُيُونَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ عَبْرَى
وَ صُدُورَهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَرَّى
فَتِلْكَ قُلُوبٌ قَاسِيَةٌ
وَ نُفُوسٌ طَاغِيَةٌ
وَ أَجْسَامٌ مَحْشُوَّةٌ بِسَخَطِ اللهِ وَ لَعْنَةِ الرَّسُولِ
قَدْ عَشَّشَ فِيهِ الشَّيْطَانُ وَ فَرَّخَ
وَ مَنْ هُنَاكَ مِثْلُكَ مَا دَرَجَ وَ نَهَضَ
فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ
لِقَتْلِ الْأَتْقِيَاءِ
وَ أَسْبَاطِ الْأَنْبِيَاءِ
وَ سَلِيلِ الْأَوْصِيَاءِ
بِأَيْدِي الطُّلَقَاءِ الْخَبِيثَةِ
وَ نَسْلِ الْعَهَرَة الْفَجَرَةِ
تَنْطِفُ أَكُفُّهُمْ مِنْ دِمَائِنَا
وَ تَتَحَلَّبُ أَفْوَاهُهُمْ مِنْ لُحُومِنَا
وَ لِلْجُثَثِ الزَّاكِيَةِ
عَلَى الْجُبُوبِ الضَّاحِيَةِ
تَنْتَابُهَا الْعَوَاسِلُ
وَ تُعَفِّرُهَا الْفَرَاعِلُ
فَلَئِنِ اتَّخَذْتَنَا مَغْنَماً
لَتَتَّخِذُنَا وَشِيكاً مَغْرَماً
حِينَ لَا تَجِدُ إِلَّا مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ
وَ مَا اللهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
وَ إِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَ الْمُعَوَّلُ
وَ إِلَيْهِ الْمَلْجَأُ وَ الْمُؤَمَّلُ
ثُمَّ كِدْ كَيْدَكَ
وَ اجْهَدْ جُهْدَكَ
فَوَ الَّذِي شَرَّفَنَا بِالْوَحْيِ وَ الْكِتَابِ وَ النُّبُوَّةِ وَ الِانْتِجَابِ
لَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا
وَ لَا تَبْلُغُ غَايَتَنَا
وَ لَا تَمْحُو ذِكْرَنَا
وَ لَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارُنَا
وَ هَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ
وَ أَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ
وَ جَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ
يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي
أَلَا لُعِنَ الظَّالِمُ الْعَادِي
وَ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي حَكَمَ لِأَوْلِيَائِهِ بِالسَّعَادَةِ
وَ خَتَمَ لِأَوْصِيَائِهِ بِبُلُوغِ الْإِرَادَةِ
نَقَلَهُمْ إِلَى الرَّحْمَةِ وَ الرَّأْفَةِ وَ الرِّضْوَانِ وَ الْمَغْفِرَةِ
وَ لَمْ يَشْقَ بِهِمْ غَيْرُكَ
وَ لَا ابْتَلَى بِهِمْ سِوَاكَ
وَ نَسْأَلُهُ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الْأَجْرَ
وَ يُجْزِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَ الذُّخْرَ
وَ نَسْأَلُهُ حُسْنَ الْخِلَافَةِ
وَ جَمِيلَ الْإِنَابَةِ
إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ ...